كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن حجر‏:‏ ذهب بعضهم إلى أن رب هو الاسم الأعظم وقد أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ اسم الله الأكبر رب رب ووجهه بعضهم بأنه الكفيل بتربية ذرات الوجود والمدر عليها أنواع الجود ولم يخرج عن حضرة إحسان هذا الاسم مؤمن ولا كافر ولا بر ولا فاجر بل أدر الأرزاق وأسدى الإحسان وعامل باللطف والامتنان‏.‏

- ‏(‏أبو عوانة‏)‏ الحافظ يعقوب في صحيحه ‏(‏والبغوي‏)‏ إمام السنة وكذا الطبراني في الأوسط كلهم من حديث عامر بن خارجة بن سعد عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏سعد‏)‏ بن أبي وقاص قال شكى قوم إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قحط المطر فقال اجثوا على الركب وقولوا يا رب يا رب ورفع السبابة إلى السماء ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم‏.‏ قال في الميزان في ترجمة عامر هذا قال البخاري فيه نظر ثم ساق له هذا الخبر قال في اللسان وقد ذكره ابن حبان في الثقات فقال يروي عن جده حديثاً منكراً في المطر لا يعجبني ذكره ثم أورد هذا الحديث بعينه وقال ابن حجر في غير اللسان في سنده اختلاف وعامر بن خارجة ضعفه الذهبي وغيره ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده‏.‏

182 - ‏(‏أجرؤكم‏)‏ من الجرأة وهي الإقدام على الشيء ‏(‏على قسم الجد‏)‏ أي على الإفتاء أو الحكم بتعيين ما يستحقه من الإرث ‏(‏أجرؤكم على النار‏)‏ أي أقدمكم على الوقوع فيها يوم القيامة تسوقه الزبانية إليها لأن الجد يختلف ما يأخذه من فرض وتعصيب وثلث وسدس وتتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد وفي شأنه من الاضطراب ما يحير الألباب فمن تساهل وأقدم على القضاء أو الإفتاء بقدر ما يستحقه بغير تثبت وتحقق فقد عرض نفسه للنار ومن ثم نقل عن عمر أنه لما احتضر قال احفظوا عني لا أقول في الكلالة ولا في الجد شيئاً ولا أستخلف وأخرج يزيد بن هارون عن ابن سيرين عن عبيدة قال‏:‏ إني لأحفظ عن عمر في الجد مئة قضية كلها ينقض بعضها بعضاً قال ابن الأثير‏:‏ وفي حديث علي من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجد أي يرمي بنفسه في معاظم عذابها‏.‏

- ‏(‏ص عن سعيد بن المسيب‏)‏ بفتح التحتية على الأشهر وتكسر ‏(‏مرسلاً‏)‏ هو المخزومي أحد الأعلام رأس علماء التابعين وفردهم وأفضل فقهائهم حدث عن عمر وغيره وعنه الزهري وخلق رمز لصحته‏.‏

183 - ‏(‏اجرؤكم على الفتيا‏)‏ بضم الفاء أي أقدمكم على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر، والإفتاء بيان حكم المسألة‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ الفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتي في السن ‏(‏أجرؤكم على النار‏)‏ أقدمكم على دخولها لأن المفتي مبين عن الله خكمه فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار ‏{‏الله أذن لكم أم على الله تفترون‏}‏ قال الزمخشري‏:‏ كفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيها وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله تعالى انتهى‏.‏ وقال ابن النكدر‏:‏ المفتي يدخل بين الله ‏[‏ص 159‏]‏ وبين خلقه فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر‏.‏ كان ابن عمر إذا سئل قال‏:‏ اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس فضعها في عنقه وقال‏:‏ يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا على جهنم فمن سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف‏.‏ وقال ابن مسعود‏:‏ الذي يفتي عن كل ما يستفتى عنه مجنون‏.‏ قال الماوردي‏:‏ فليس لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها ولا له حد يقف عنده ومن كان تكلفه غير محدود فأخلق به أن يضل ويضل وقال الحكماء‏:‏ من العلم أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من يعلم فحسبك خجلاً من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم وإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم من سبيل فلا عار أن تجهل بعضه وإذا لم يكن في جهل بعضه عار فلا تستحي أن تقول لا أعلم فيما لا تعلم وقال ابن أبي ليلى‏:‏ أدركت مئة وعشرين صحابياً وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول قال حجة الإسلام فانظر كيف انعكس الحال، صار المرهوب منه مطلوباً والمطلوب مرهوباً‏؟‏ وبما تقرر علم أنه يحرم على المفتي التساهل وعليه التثبت في جوابه ولو ظاهراً فلا يطلق في محل التفصيل فهو خطأ وإذا سئل عن قائل ما يحتمل وجوهاً كثيرة فلا يطلق بل يقول إن أراد كذا فكذا وينبغي أن لا يفتي مع وجود شاغل لفكره كالقضاء‏.‏

- ‏(‏الدارمي‏)‏ عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي في سنده المشهور له بالترجيح المستحق لأن يسمى بالصحيح‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير ‏(‏عن عبد الله‏)‏ بالتصغير ‏(‏ابن أبي جعفر مرسلاً‏)‏ هو أبو بكر المصري الفقيه أحد الأعلام والأئمة الكبار‏.‏

184 - ‏(‏اجعل‏)‏ بكسر فسكون يا بلال إذ الخطاب له كما جاء مصرحاً به في رواية البيهقي وغيره ‏(‏بين أذانك وإقامتك‏)‏ للصلاة ‏(‏نفساً‏)‏ بفتح الفاء أي ساعة قال الزمخشري‏:‏ تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة وتنفس الصبح وتنفس النهار طال ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ‏(‏يقضي‏)‏ أي يتم ‏(‏المتوضئ‏)‏ يعني المتطهر أي الشارع في الطهر ‏(‏حاجته‏)‏ ويأتي بالشروط والفروض والسنن ‏(‏في مهل‏)‏ بفتح أوليه بضبط المؤلف يعني بتؤدة وسكينة إذا اتسع الوقت ‏(‏و‏)‏ حتى ‏(‏يفرغ الآكل‏)‏ بالمد وكسر الكاف ‏(‏من‏)‏ أكل ‏(‏طعامه في مهل‏)‏ بأن يشبع فيندب للمؤذن أن يفصل عند اتساع الوقت بين الأذان والإقامة بقدر فعل المذكورات وقدر السنة والاجتماع وهذا الحديث وإن كان واهي الإسناد له شواهد منها حديث الترمذي عن جابر رفعه اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ومنها حديث أبي هريرة وغيره قال في الفتح وكلها واهية وقد أشار البخاري إلى أن التقدير بذلك لا يثبت قال ابن بطال‏:‏ لاحدّ لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين‏.‏

- ‏(‏عم‏)‏ فيما زاد على المسند من غير أبيه من حديث أبي الجوزاء ‏(‏عن أبيّ‏)‏ بن كعب قال الهيتمي‏:‏ وأبو الجوزاء لم يسمع من أبيّ ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ ابن حبان ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الأذان‏)‏ والإقامة ‏(‏عن سلمان‏)‏ الفارسي هو عبد الله أبو عثمان الهندي مات بالمدائن وعمره قيل ثلاث مئة وخمسين سنة والأكثر على مائتين وخمسين سنة كما في الكاشف ‏(‏وعن أبي هريرة‏)‏ معاً قال الترمذي في إسناده مجهول وقال الحاكم ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد انتهى قال الذهبي عمرو هذا قال الدارقطني متروك وقال ابن عبد الهادي اتهمه المديني وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة وحصر الحاكم منعه الحافظ العراقي بأن فيه أيضاً عبد المنعم الرياحي منكر الحديث كما قال البخاري وغيره انتهى وبذلك كله يعلم ما في تحسين المؤلف له إلا أن يريد أنه حسن لغيره‏.‏

185 - ‏(‏اجعلوا‏)‏ من الجعل كما قال الحراني وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير ‏(‏آخر صلاتكم بالليل‏)‏ يعني ‏[‏ص 160‏]‏ تهجدكم فيه ‏(‏وتراً‏)‏ بالكسر والفتح وهو الفرد ما لم يشفع من العدد والمراد صلاة الوتر وذلك لأن أول صلاة الليل المغرب وهي وتر فناسب كون آخرها وتراً والأمر للوجوب عند أبي حنيفة وللندب عند الشافعي بدليل ذكر صلاة الليل فإنها غير واجبة اتفاقاً فكذا آخرها وخبر من لم يوتر فليس منا معناه غير عامل بسنتنا وفيه الأمر بجعل صلاة الوتر آخر الليل فتأخيره إلى آخره أفضل لمن وثق بانتباهه آخر الليل وتقديمه لغيره أفضل كما يصرح به خبر مسلم ‏"‏من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة‏"‏ أي تشهدها ملائكة الرحمة وعلى التفصيل تحمل الأحاديث المطلقة كخبر أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر‏.‏

- ‏(‏ق د‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وقضية صنيعه أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الثلاثة والأمر بخلافه فإن النسائي رواه معهم‏.‏

186 - ‏(‏اجعلوا‏)‏ ندباً ‏(‏أئمتكم‏)‏ أي الذين يؤمون بكم في الصلاة ‏(‏خياركم‏)‏ أي قدموا للإمامة أفضلكم بالصفات المبينة في كتب الفروع ‏(‏فإنهم‏)‏ أي الأئمة وفي لفظ فإنها ‏(‏وفدكم‏)‏ بفتح الواو وسكون الفاء أي متقدموكم المتوسطون ‏(‏فيما بينكم وبين ربكم‏)‏ وكلما علت درجة المتوسط كان أرجى للقبول وأقرب إلى إفاضة الرحمة وإدرار البر على المقتدين به والوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقى العظماء لقضاء المهمات ودفع الملمات وذلك أن الإمام خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ هو الواسطة الأفخم والقائد الأعظم والإمام المقدم يوم القيامة فكذا هو إمامهم في وفادتهم في الدنيا في صلاتهم فالإمامة بعده للأقرب فالأقرب منه منزلة والأمثل فالأمثل به مرتبة وأجل مراتب العباد وأعلى منازلهم المعرفة بالله والخلق فيها صنفان عارف في ذات الله وهو مقام الرسل والأنبياء وواصلي الأولياء وعارف بصفات الله وهو مقام خيار المؤمنين فهم أحق بالتقدم بالإمامة فيقدم ندباً في الإمامة العدل على الفاسق ثم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسبق إسلاماً ثم الأسن ثم النسيب ثم الأحسن ذكراً ثم الأنظف ثوباً ثم الأحسن صوتاً ثم الأحسن صورة ذكره الشافعية‏.‏

- ‏(‏قط هق‏)‏ وضعفه كما في الكبير عنه كلاهما من حديث سعيد بن جبير ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الدارقطني بأن فيه عمرو بن يزيد قاضي المدائن وسلام بن سليمان بن سوار بن المنذر قال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه انتهى قال الذهبي في المهذب إسناده ضعيف وفي التنقيح سنده مظلم أهـ وسبقه لنحوه عبد الحق وابن القطان وغيرهما‏.‏

187 - ‏(‏اجعلوا من صلاتكم‏)‏ أي بعضها قال الطيبي‏:‏ من تبعيضية وهو مفعول أول لـ اجعلوا والثاني ‏(‏في بيوتكم‏)‏ أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النفل مؤداة في بيوتكم فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت إذ من حقها أن يجعل لها نصيب من الطاعات انتهى وقيل من زائدة كأنه قال اجعلوا صلاتكم النفل في بيوتكم لتعود بركتها على البيت وأهله ولتنزل الرحمة فيها والملائكة ويكثر خيرها ويفر منها الشيطان فالنفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو الحرام إلا ما سن جماعة وركعتا الطواف والإحرام وسنة الجمعة القبلية وقيل أراد بالصلاة الفرض ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نحو امرأة ومريض والجمهور على الأول لقوله في حديث مسلم إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد فليجعل لبيته نصيباً من صلاته ‏(‏ولا تتخذوها قبوراً‏)‏ أي كالبور مهجورة من الصلاة شبه البيوت التي لا يصلى فيها بالقبور التي لا يمكن الموتى التعبد فيها‏.‏

- ‏(‏حم ق د‏)‏ وكذا ابن ماجه كلهم في الصلاة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب ‏(‏ع والروياتي‏)‏ محمد بن هارون الحافظ وليس بالفقيه الشافعي ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة كلهم ‏(‏عن‏)‏ أبي ‏[‏ص 161‏]‏ عبد الرحمن ‏(‏زيد بن خالد‏)‏ الجهني بضم الجيم وفتح الهاء وكسر النون صحابي مشهور وكان معه لواء جهينة يوم الفتح ‏(‏ومحمد ابن نصر‏)‏ الفقيه الكبير أحد رفعاء الشافعية وعظمائهم ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الصلاة‏)‏ وهو مؤلف مستقل حافل ‏(‏عن عائشة‏)‏ الصديقة رضي الله عنها ومع وجود الحديث في الصحيحين لا حاجة لعزوه لغيرهما اللهم إلا أن يكن قصده إثبات تواتره‏.‏

188 - ‏(‏اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً‏)‏ أي وقاية ‏(‏من الحلال‏)‏ وهو واحد الستور قال الزمخشري‏:‏ من المجاز رجل مستور وهتك الله ستره اطلع على مساويه وفلان لا يستتر من الله بستر أي لا يتقي الله فإن ‏(‏من فعل ذلك‏)‏ أي جعل بينه وبين الحرام ستراً فقد ‏(‏استبرأ‏)‏ بالهمز وقد تخفف طلب البراءة ‏(‏لعرضه‏)‏ بصونه عما يشينه ويعيبه وفي المختار الاستبراء عبارة عن التبصر والتعرف احتياطاً ‏(‏ودينه‏)‏ عن الذم الشرعي والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان كما قاله بعض الأعيان قال الزمخشري‏:‏ تقول اعترض فلان عرضي إذا وقع فيه وتنقصه ومن زعم كالشهاب ابن حجر الهيتمي أن المراد هنا الحسب وما يعده الإنسان من مفاخره ومفاخر آبائه فكأنه نقله من لغة غير ناظر إلى ما يلائم السياق في هذا المحل بخصوصه ومقصود الحديث أن الحلال إذا خيف أن يتولد من فعله خور شرعي في نفسه أو أهله أو سلفه تعين تجنبه ليسلم من الذم والعيب والعذاب ويدخل في زمرة المتقين ‏(‏ومن أرتع فيه‏)‏ أي أكل ما شاء وتبسط في المطاعم والملابس كيفما أحب يقال رتعت الماشية أكلت ما شاءت قال الزمخشري‏:‏ من المجاز رتع القوم أكلوا ما شاءوا في رغد وسعة ‏(‏كان كالمرتع‏)‏ بضم الميم وكسر التاء ‏(‏إلى جنب الحمى‏)‏ أي جانبه من إطلاق المصدر على المفعول أي المحمي وهو الذي لا يقربه أحد احتراماً لمالكه‏.‏ قال الراغب‏:‏ وأصل الجنب الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعمال سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ حميت المكان منعته أن يقرب فإذا امتنع وعز قلت أحميته أي صيرته حمى فلا يكون حمىإلا بعد الحماية ومن المجاز حميته أن يفعل كذا إذا منعته ‏(‏يوشك‏)‏ بضم المثناة تحت وكسر المعجمة مضارع أوشك بفتحها وهو من أفعال المقاربة وقد وضع لدنو الخبر مثل كاد وعسى في الاستعمال فيجوز أوشك زيد يجيء وأوشك أن يجيء زيد على الأوجه الثلاثة معناه هنا يسرع أو يقرب ‏(‏أن يقع‏)‏ بفتح القاف فيه وفي ماضيه ‏(‏فيه‏)‏ أي تأكل ماشيته منه فيعاقب والوقوع في شيء السقوط فيه وكل سقوط شديد يعبر عنه به فكما أن الراعي الخائف من عقوبة السلطان يبعد لاستلزام القرب الوقوع المترتب عليه العقاب فكذا حمى الله أي محارمه التي حظرها لا ينبغي قرب حماها ليسلم من ورطتها ومن ثم قال الله تعالى ‏{‏تلك حدود الله فلا تقربوها‏}‏ فنهى عن المقاربة حذراً من المواقعة إذ القرب من الشيء يورث داعية وميلاً يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى الشرع، وقد حرمت أشياء كثيرة لا مفسدة فيها لكونها تجر إليها ‏(‏وإن لكل ملك‏)‏ من ملوك العرب ‏(‏حمى‏)‏ يحميه عن الناس فلا يقربه أحد خوفاً من سطوته كان الواحد من أشرفهم إذا أراد أن يترك لقومه مرعى استعوى كلباً فما بلغه صوته من كل جهة حظره على غيره ‏(‏وإن حمى الله في الأرض‏)‏ في رواية في أرضه ‏(‏محارمه‏)‏ معاصيه كما في رواية أبي داود من دخل حماه بارتكاب شيء منها استحق العقوبة ومن قارب يوشك أن يقع فيه فالمحتاط لنفسه ولدينه لا يقاربه ولا يفعل ما يقربه منه وهذا السياق من المصطفى صلى الله عليه وسلم إقامة برهان عظيم على تجنب الشبهات‏.‏

- ‏(‏حم طب عن النعمان بن بشير‏)‏ لم يرمز المصنف له بشيء وسها من زعم أنه رمز لحسنه‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدام بن داود وقد وثق على ضعف فيه‏.‏

‏[‏ص 162‏]‏ 189 - ‏(‏اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً‏)‏ أي ستراً وحاجزاً فتنكير الحجاب للتعظيم ‏(‏ولو بشق تمرة‏)‏ أي بشطر منها والحجاب جسم حائل بين شيئين وقد استعمل في المعاني فيقال العجز حجاب بين العبد وقصده والمعصية حجاب بينه وبين ربه وفيه حث على الصدقة وهي سنة كل يوم ولو بما قل كبعض تمرة أو الماء ويتأكد لمن يخص وقتاً بالصدقة أن يتحرى الأوقات والأزمان الشريفة والأماكن الفاضلة ويتأكد أن يكون التصدق بطيب قلب وبشاشة وأن يكون من الحلال الصرف فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وذلك هو الذي يكون وقاية من النار‏.‏

- ‏(‏طب عن فضالة‏)‏ بفتح الفاء والمعجمة ‏(‏ابن عبيد‏)‏ مصغراً شهد أحداً والحديبية وولي قضاء دمشق رمز المؤلف لحسنه وليس على ما ينبغي فقد أعله الهيتمي وغيره بابن لهيعة لكن يعضده ما رواه أحمد من حديث عائشة قال في الفتح بإسناد حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة لأنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان وكان الجامع بينهما في ذلك حلاوتها‏.‏

190 - ‏(‏أجلوا‏)‏ بالجيم وتشديد اللام ‏(‏الله‏)‏ المستوجب لجميع صفات الجلال والكمال أي عظموه باللسان والجنان والأركان أو اعتقدوا جلالته وعظمته وأظهروا صفاته الجلالية والجمالية والكمالية وتخلقوا بها بحسب الإمكان ومن قال معناه قولوا يا ذا الجلال فقد قصر حيث قصر، وروي بحاء مهملة أي أسلموا هكذا في مسند أحمد عن ابن ثوبان يعني أخرجوا من حظر الشرك إلى حل الإسلام وسعته من قولهم حل الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل فإنكم إن فعلتم ذلك ‏(‏يغفر لكم‏)‏ ذنوبكم وحذف المفعول إيذاناً بالعموم ومن إجلاله أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر كيف وهو يرى ويسمع ومن قام بقلبه مشهد الإجلال ومن أهل الكمال‏.‏

- ‏(‏حم ع طب‏)‏ وكذا في الأوسط والحاكم في الكنى وأبو نعيم ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ قالالحافظ الهيتمي فيه أبو العذراء مجهول وبقية رجال أحمد وثقوا وزعم ابن الأثير أنه موقوف‏.‏

191 - ‏(‏أجملوا‏)‏ بهمزة قطع مفتوحة فجيم ساكنة فميم مكسورة ‏(‏في طلب الدنيا‏)‏ أي اطلبوا الرزق طلباً جميلاً بأن ترفقوا أي تحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كد وتعب ولا تكالب وإشفاق‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ أجمل في الطلب إذا لم يحرص والدنيا ما دنا من النفس من منافعها وملاذها وجاهها عاجلاً فلم يحرم الطلب بالكلية لموضع الحاجة بل أمر بالإجمال فيه وهو كان جميلاً في الشرع محموداً في العرف فيطلب من جهة حله ما أمكن‏.‏ ومن إجماله اعتماد الجهة التي هيأها الله ويسرها له ويسره لها فيقنع بها ولا يتعداها ومنه أن لا يطلب بحرص وقلق وشره ووله حتى لا ينسى ذكر ربه ولا يتورط في شبهة فيدخل فيمن أثنى الله تعالى عليهم بقوله تعالى ‏{‏رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله‏}‏ الآية ثم بين وجه الأمر بذلك بقوله ‏(‏فإن كلاً‏)‏ أي كل أحد من الخلق ‏(‏ميسر‏)‏ كمعظم أي مهيأ مصروف ‏(‏لما كتب‏)‏ قدر ‏(‏له منها‏)‏ يعني الرزق المقدر له سيأتيه ولا بد فإن الله تعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه الأزلي وإن كان يقع ذلك بتبديل في اللوح أو الصحف بحسب تعليق بشرط وقال أجملوا وما قال اتركوا إشارة إلى أن الإنسان وإن علم أن رزقه المقدر له لا بد له منه لكن لا يترك السعي رأساً فإن من عوائد الله تعالى في خلقه تعلق الأحكام بالأسباب وترتيب الحوادث على العلل وهذه سنته في خلقه مطردة وحكمته في ملكه مستمرة وهو وإن كان قادراً على إيجاد الأشياء اختراعاً وابتداعاً لا بتقديم سبب وسبق علة بأن يشبع الإنسان بلا أكل ويرويه بغير شرب وينشئ الخلق بدون جماع لكنه أجرى حكمته بأن الشبع والري والولد يحصل عقب الطعم والشرب والجماع فلذا قال أجملوا إيذاناً بأنه وإن كان هو الرزاق لكنه قدر حصوله بنحو سعي رفيق وحالة كسب من الطلب جميلة فجمع ‏[‏ص 163‏]‏ هذا الخبر بالنظر إلى السبب والمسبب له وذلك هو الله والرزق والعبد والسعي وجمع بين المسبب والسبب لئلا يتكل من تلبس بأهل التوكل وليس منهما فيهلك بتأخر الرزق فربما أوقعه في الكفر ولئلا ينسب الرزق لسعيه فيقع في الشرك فقرن في الخطاب بين تعريف اعتلاق الأشياء بالمسبب اعتلاقاً أصلياً واعتلاقها بالسبب اعتلاقاً شرعياً ليستكمل العبد حالة الصلاح مستمرة وتثبت له قضية الفلاح مستقرة وقد عرف مما سبق أن من اجتهد في طلب الدنيا وتهافت عليها شغل نفسه بما لا يجدي وأتعبها فيما لا يغني ولا يأتيه إلا المقدور فهو فقير وإن ملك الدنيا بأسرها فالواجب على المتأدب بآداب الله تعالى أن يكل أمره إلى الله تعالى ويسلم له ولا يتعدى طوره ولا يتجرأ على ربه ويترك التكلف فإنه ربما كان خذلاناً ويترك التدبير فإنه قد يكون هوانا‏:‏

والمرء يرزق لا من حيث حيلته * ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي

وقال بزرجمهر‏:‏ وكل الله تعالى الحرمان بالعقل والرزق بالجهل ليعلم أنه لو كان الرزق بالحيل لكان العاقل أعلم بوجوه مطلبه والاحتيال لكسبه‏.‏ التقى ملكان فتساءلا فقال أحدهما أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي وقال الآخر أمرت باهراق زيت اشتهاه فلان العابد‏.‏

- ‏(‏ه ك طب هق عن أبي حميد‏)‏ عبد الرحمن بن المنذر ‏(‏الساعدي‏)‏ بكسر العين المهملة قال ك على شرطهما وأقره الذهبي لكن فيه هشام بن عمار أورده هنا أعني الذهبي في ذيل الضعفاء وقال أبو حاتم صدوق تغير فكان كلما لقن تلقن‏.‏ وقال أبو داود حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل ابن عياش أورده في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي وعمارة بن غذية أورده في الذيل أيضاً وقال ثقة ضعفه ابن حزم‏.‏

192 - ‏(‏أجوع الناس طالب علم وأشبعهم الذي لا يبتغيه‏)‏ أي طالب العلم المتلذذ بفهمه لا يزال يطلب ما يزيد التذاذه فكلما طلب ازداد لذة فهو يطلب نهاية اللذة ولا نهاية لها فهو يشارك غيره في الجوع غير أن ذلك الغير له نهاية وهذا لا نهاية له فلذلك كان أجوع‏.‏ قال الامام الرازي‏:‏ واللذة إدراك الملائم والملائم للقوة الحساسة إدراك المحسوسات والقوة العقلية إدراك المعقولات التي هي العلوم والمعارف وإدراك القوى العاقلة أقوى من إدراك القوى الحساسة وكلما كان الإدراك أقوى والمدرك أشرف كانت اللذة الحاصلة بذلك الإدراك أشرف وأقوى وكانت النفوس الفاضلة عليها أحرص وإليها أشوق، وأصل الجوع كما قال الحراني غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى يترامى لأجله فيما لا يتأمل عاقبته فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الفرث، وقيل الجوع فراغ الجسم عما به قوامه وقيل الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة عن الطعام، وكيفما كان فاستعماله في العلم مجاز‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز جاع وشاحها للحصان وفلان جائع القدر وإني لأجوع إلى أهلي وأعطش وأنك جائع إلى فلان وإنما كان أشبعهم الذي لا يبتغيه لغلبة الطبع البهيمي عليه واشتغاله باللذات الحسية التي تشاركه فيها البهائم وعدم إدراكه اللذات العقلية بالكلية‏.‏

- ‏(‏أبو نعيم في كتاب العلم فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال في الكبير وضعف وذلك لأن فيه الجارود عن الحسن بن الفضل وأورد الذهبي الحسن هذا في الضعفاء وقال مزقوا حديثه وفي الميزان حرقوا حديثه وفي اللسان قال ابن حزم مجهول وابن البيلماني ضعفه الدارقطني وغيره‏.‏

193 - ‏(‏أجيبوا هذه الدعوة‏)‏ أي دعوة وليمة العرس إذ هي المعهودة عندهم فقوله هذه أي التي تعرفونها وتتبادر الأذهان إليها ‏(‏إذا دعيتم لها‏)‏ وتوفرت شروط الإجابة وهي نحو عشرين منها عموم الدعوة وكون الداعي حراً رشيداً مكلفاً مسلماً على الأصح وأن يخص باليوم الأول على المشهور وأن لا يسبق والأقدم السابق وأن لا يكون ثم من يتأذى بحضوره من منكر وعدو وغيرهما وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص في ترك الجماعة أما الدعوة ‏[‏ص 164‏]‏ لغير وليمة عرس فستجيء وقد نقل النووي كابن عبد البر الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس عند توفر الشروط‏.‏

- ‏(‏ق عن ابن عمر‏)‏ رضي الله تعالى عنهما وتتمته كما في البخاري وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغيره وهو صائم‏.‏

194 - ‏(‏أجيبوا الداعي‏)‏ الذي يدعوكم إلى وليمة وجوباً إن كانت لعرس وتوفرت الشروط كما مر وندباً إن كانت لغيره مما يندب أن يولم له وهذا بناء على جواز استعمال اللفظ في الإيجاب والندب معاً ولا مانع منه عند الشافعي وحمله غيره على عموم المجاز ذكره الكرماني‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ويحتمل أنه وإن كان عاماً فالمراد به خاص وأما ندب إجابة غير العرس فمن دليل آخر ‏(‏ولا تردوا‏)‏ ندباً ‏(‏الهدية‏)‏ فإنها وصلة إلى التحابب، نعم يحرم قبولها على القاضي كما في خبر آخر أي ممن له حكومة ولو متوقعة ولم تعهد منه قبل ولايته وهو في محل ولايته ويكره لكل أحد قبولها من الأراذل والأخلاط الذين الباعث لهم عليها طلب الاستكثار كما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار وهي لغة ما أتحف به وشرعاً تمليك ما يحمل أي يبعث غالباً بلا عوض ‏(‏ولا تضربوا المسلمين‏)‏ في غير حد أو تأديب بل تلطفوا معهم بالقول والفعل وقد عاش المصطفى صلى الله عليه وسلم ما عاش وما ضرب بيده خادماً ولا عبداً ولا أمة فالعفو أقرب للتقوى فضرب المسلم حرام بل كبيرة والتعبير بالمسلم غالبي فمن له ذمة أو عهد معتبر يحرم ضربه تعدياً‏.‏

- ‏(‏حم خد طب هب عن ابن مسعود‏)‏ عبد الله قال الحافظ الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكان حق المؤلف الرمز لصحته ولا يقتصر على تحسينه‏.‏

195 - ‏(‏أجيفوا‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم ردوا وأغلقوا يقال جفأت الباب غلقته قاله الفراء ونوزع بأن أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة ‏(‏أبوابكم‏)‏ مع ذكر الله تعالى ‏(‏وأكفؤا‏)‏ قال عياض رويناه بقطع الألف المفتوحة وكسر الفاء رباعي وبوصلها وفتح الفاء وهما فصيحتان ‏(‏آنيتكم‏)‏ اقلبوها ولا تتركوها للعق الشيطان ولحس الهوام قال الزمخشري‏:‏ كفأ الإناء قلبه على فمه واستكفأته طلبت منه أن يكفئ ما في إنائه ‏(‏وأوكؤا‏)‏ بكسر الكاف ثم همزة اربطوا ‏(‏أسقيتكم‏)‏ جمع سقاء ككساء ظرف الماء من جلد يعني شدوا فم القربة بنحو خيط واذكروا اسم الله تعالى ‏(‏وأطفؤا‏)‏ بهمزة وصل أمر من الإطفاء ‏(‏سرجكم‏)‏ أي اذهبوا نورها جمع سراج ككتاب يعني اطفؤا النار من بيوتكم عند النوم وهذا وإن كان مطلوباً في الأوقات كلها لكنه في الليل آكد لأن النهار عليه حافظ من العيون بخلاف الليل حتى فتيلة السراج ‏(‏فإنهم‏)‏ يعني الشياطين، ولم يذكروا استهجاناً لذكرهم ومبالغة في تحقيرهم وذمهم ‏(‏لم يؤذن لهم‏)‏ ببناء يؤذن للمفعول والفاعل الله ‏(‏بالتسور‏)‏ أي التسلق ‏(‏عليكم‏)‏ أي لم يجعل الله تعالى لهم قدرة على ذلك أي إذا ذكر اسم الله تعالى عند كل ما ذكر لخبر أبي داود واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً قال ابن العربي‏:‏ وهذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحد وهو أن الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة ويتولج في المسام الضيقة فيعجز عن ذلك والأمر للإرشاد على ما قاله النووي وقال غيره للندب وقال ابن دقيق العبد والخبر يدل على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل قال واستنبط منه مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في الأبواب مجازاً‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي قال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ورمز المؤلف لحسنه غير حسن بل حقه الرمز لصحته‏.‏

196 - ‏(‏أحب الأعمال إلى الله‏)‏ أي أكثرها ثواباً عند الله تعالى ‏(‏الصلاة لوقتها‏)‏ اللام لاستقبال الوقت ‏[‏ص 165‏]‏ أو بمعنى في لأن الوقت ظرف لها على وزان ‏{‏ونضع الموازين القسط ليوم القيامة‏}‏ أي فيه وفي رواية للبخاري على وقتها وعلى فيها بمعنى ما ذكر أو للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه وفي رواية للحاكم في أول وقتها قال في المجموع وهي ضعيفة قال في الفتح لكن لها طرق أخرى وأخذ منه ابن بطال كغيره أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل لاشتراطه في كونها أحب إقامتها أوله وقول ابن دقيق العيد ليس في اللفظ ما يقتضي أولاً ولا آخراً بل القصد التحرز عن إخراجها عن وقتها منع بأن إخراجها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الندب واعترض ‏(‏ثم بر الوالدين‏)‏ أي الإحسان إليها وامتثال أمرهما الذي لا يخالف الشرع ومن برهما بر صديقهما ولو بعد موتهما والبر التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع والوالدين تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع زواله بظهور صورة منه بخلق صورة نوعه ذكره الحراني والمراد بهما هنا من له ولادة من الطرفين وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج وعقب الصلاة بالبر اقتداء بقوله تعالى ‏{‏واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً‏}‏ الآية ولأن الصلاة أعظم الوصل بين العبد وربه وبر الوالدين أعظم الوصل بين العبد والخلق فأولى الأعظم للأعظم ‏(‏ثم الجهاد في سبيل الله‏)‏ أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الجبار وإظهار شعر دينه والجمع بين هذا وأخبار إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وأحب الأعمال إلى الله أدومها وغير ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كلاً بما يوافقه ويصلحه أو بحسب الوقت أو الحال وقد تعارضت النصوص في تفضيل الصلاة على الصدقة والذي عليه الجمهور أن الصلاة أفضل لكن قد يعرض حال يقتضي مواساة مضطر فتكون الصدقة أفضل وقس عليه قال في المطامح وأخر الجهاد مع أن فيه بذل النفس لأن الصبر على أداء الصلاة أول وقتها وعلى ملازمة برهما أمر متكرر دائم بدوام الأنفاس ولا يصبر على مراقبة أمر الله تعالى فيه إلا الصديقون أو لأن فضل الجهاد يكاد يكون بديهياً إذ لا تنتظم العبادات والعادات إلا به فلما استقل بمنزلته وعرف بدرجته اهتم الشارع ببيان ما قد يخفى من شأن غيره تحقيقاً لمراتب الأعمال والعبادات وترغيباً في الجد في الطاعات، ثم معنى المحبة من الله تعالى تعلق الإرادة بالثواب ومن غيره غليان دم القلب وثورانه عند هيجانه إلى لقاء محبوبه أو الميل الدائم بالقلب الهائم أو إيثار المحبوب على جميع المصحوب أو سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون أو ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه إذا زاد ‏.‏

إن قيل ما الحكمة في تعبيره بالأعمال دون الأفعال‏؟‏ قلنا وجهه أن الفعل عام يقال لما كان بإجادة وغيرها وما كان بعلم وغيره وبقصد وغيره ومن الإنسان وغيره كالحيوان والجماد، والعمل لا يقال إلا لما كان بإجادة وتعلم وبقصد من الآدمي كما ذكره الراغب، وقال بعضهم‏:‏ العمل مقلوب عن العلم فإن العلم فعل القلب والعمل فعل الجارحة وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب منه‏.‏

- ‏(‏حم ق د ن ه‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ رضي الله تعالى عنه ورواه عنه أيضاً ابن حبان وغيره‏.‏

197 - ‏(‏أحب الأعمال إلى الله‏)‏ أي عند الله فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم حباً أو بغضاً من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره ابن مالك وابن هشام ‏(‏أدومها‏)‏ أي أكثرها ثواباً أكثرها تتابعاً ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول‏.‏ قال الكرماني‏:‏ وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع الأزمنة على التأبيد، فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل فما معنى الأدوم‏؟‏ قلت‏:‏ المراد بالدوام العرفي وهو قابل للكثرة أو القلة ‏(‏وإن قل‏)‏ ذلك العمل المداوم عليه جداً لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب‏:‏ ‏"‏ولا تقطع ‏[‏ص 166‏]‏ الخدمة وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفاً أن يقيمك في خدمته‏"‏ ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور، هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقاً يقال استدمت الأمر ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به‏.‏

- ‏(‏ق عن عائشة‏)‏ رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم‏.‏

198 - ‏(‏أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك‏)‏ أي والحال أن لسانك ‏(‏رطب من ذكر الله‏)‏ يعني أن تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت ذاكر فإن للذكر فوائد جليلة وعوائد جزيلة وتأثيراً عجيباً في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضد ذلك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ورطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن إدامة الذكر قبل ذلك فكأنه قيل أحب الأعمال إلى الله تعالى مداومة الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى ‏{‏ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏ انتهى وقال بعض الصوفية أراد بالرطب عدم الغفلة فإن القلب إذا غفل يبس اللسان‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز رطب لساني بذكرك وأصل الرطوبة كما قال ابن سينا كيفية تقتضي سهولة التفرق والإتصال والتشكل وضدها اليبوسة والبلة الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل انتهى وفي الحديث حث على الذكر حيث علق به حكم الأحبية وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة ليفوز بهذه المحبة فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الاحوال لكن يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام ويستثنى من عمومه أيضاً المجامع وقاضي الحاجة فيكره لهما الذكر اللساني أما القلبي فمستحب على كل حال‏.‏

- ‏(‏حب وابن السني في عمل يوم وليلة طب هب عن معاذ‏)‏ بن جبل قال‏:‏ آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت‏:‏ أي الأعمال أحب إلى الله‏؟‏ قال‏:‏ أن تموت إلى آخره، قال الهيتمي بعد ماعزاه للطبراني‏:‏ فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ضعفه جمع ووثقه أبو زرعة وبقية رجاله ثقات والمؤلف رمز لصحته تبعاً لابن حبان‏.‏

199 - ‏(‏أحب الأعمال‏)‏ التي يفعلها أحدكم مع غيره ‏(‏إلى الله من‏)‏ أي عمل إنسان ‏(‏أطعم‏)‏ محترماً ‏(‏مسكيناً‏)‏ أي مضطراً إلى الطعام ‏(‏من جوع‏)‏ قدمه على ما بعده لأنه سبب لحفظ حرمة الروح ‏(‏أو دفع عنه مغرماً‏)‏ أي ديناً بأداء أو ابراء أو إنظار إلى ميسرة والمراد ما استدانه فيما يحل أو ألزم به ولم يلزم به ولم يلزمه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله ‏(‏أو كشف عنه كرباً‏)‏ غماً أو شدة أي أزاله عنه والكرب كما في الصحاح الغم الذي يأخذ بالنفس ‏.‏